م. عبد الحليم نصر يكتب : اختلاف بلا خلاف

مهندس مصرى
مقيم فى المدينة المنورة
أراد الله لهذه الأمة المرحومة أن تنعم برحابة الخلاف وأن تبتعد عن عنت الاختلاف
ولا يزال الاستعمال اللغوي يفرق بين المصطلحين بأن الاختلاف يعني التنوع وهو محمود، والخلاف يعني التنازع والشحناء وهو مذموم.
فقد عاش المسلمون في أمن من الخلاف بتمسكهم بقواعد الدين الحنيف وإعمالهم للاختلاف،
وقد حرصت الشريعة الغراء على وجود الاختلاف وحذرت من وجود الخلاف.
وكل من لم يفرق بين الأمرين فقد خلط واختلط وخالف الشرع الحنيف، وزرع الخلاف بدعوى نبذ الاختلاف بين المسلمين
ونبتت نابتة حاربت اختلاف العلماء المجتهدين الذي جعله الله رحمة لهذه الأمة، مبتعدين بذلك عن الشرع الحنيف، ومنهج السلف الصالح، فقد اختلف أبوبكر الصديق مع عمر الفاروق ـ رضي الله عنهما ـ في بعض مسائل الأحكام،
ولما تولى عمر رضي الله عنه لم ينقض حكم أبي بكر، بل أجراه وقبله مع مخالفته له، وأكد بذلك قاعدة سلفية راسخة
أصبحت من أصول الفقه الإسلامي وهي: أن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد غيره، ولا إنكار في مسائل الخلاف المعتبر..
وكلمة المعتبر قيد يفيد أن يكون الاختلاف بين مجتهدين تحققت فيهم شروط الاجتهاد.
ومن هنا جاء الترغيب في الاختلاف والنهي عن الخلاف
فعصم الله بالشيخين كل من جاء بعدهم ممن سار على هديهم من بلاء الخلاف وشرع الله بهم حكمة الاختلاف،
فقرر علماء أمتنا على هديهم أن من قال باجتهاد، إذا كان من أهل الاجتهاد، أو بتقليد إذا كان من أهل التقليد، فهو بريء الذمة
وتقرر الحكم الشرعي بأن من أخذ حكما من دليل شرعي استقلالا دون أن يكون مجتهدا أو يرجع لقول مجتهد، فقد أثم
ولم تبرأ ذمته حتى وإن وافق قوله دون قصد قول مجتهد معتبر.
وأوضح مثال على ذلك في يومنا هذا أن من جهل هذه القواعد الأصولية جزما سوف يتجرأ بتخطئة من قلد قول الإمام أبي حنيفة
وأخرج زكاة الفطر نقدا، ولن يتورع عن اتهامه بمخالفة السنة ومحاربة الدين..
في حين أن هذا المنكر قد خالف الشرع الحنيف في ثلاثة مخالفات:
الأولى لكونه أنكر في مسالة خلافية وهذا يناقض قواعد الشرع.
والثانية لكونه نقض اجتهاد معتبر باجتهاد غيره وهذا أيضا مخالف لقواعد الشرع الحنيف.
والثالثة لكونه أخذ من الأدلة حكما استقلالا منه دون تحقق شروط الاجتهاد فيه، ودون تقليد قول المجتهدين
لأنه يصرح بهذا المنهج ويأمر بالأخذ من الكتاب والسنة مباشرة دون واسطة على حد زعمه
فقد وقع في ثلاث مخالفات وهو يعتقد بخطأ غيره ممن برأت ذمته باتباع إمام مجتهد.
فيا للعجب.. يقع في ثلاث مخالفات ويتبجح باتباع السنة ويتهم غيره المتبع للشرع بأنه مخطيء وآثم.
وصدق من قال: من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب.
ولله در القائل: إذا سكت من لا يعلم لقل الخلاف.
فلا عصمة من شر الخلاف إلا بالتمسك بلطف الاختلاف.