مع الآياتنشر حديثاً

نداء المحبة .. “مع الآيات ـ حلقة 17″

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

استاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف
أستاذ التفسير وعلوم القرأن بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة السابعة عشر من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول آيتين فى كتاب الله من سورة البقرة:

يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

(21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)”

هكذا لابد أن نفهم خطاب الله تعالى للمكلفين على أنه خطاب مودة ومحبة،

ولولا أنه تعالى أراد بنا الخير لما أرسل إلينا رسلَه سبلَ الهدى والرشاد،

وما كلفنا إلا ليسعدنا، وما خاطبنا إلا ليرشدنا، وما أرسل إلينا

إلا ليخرجنا من ضيق المعصية إلى فضاء الطاعة والأنس به.

الله يدعو كل الناس إلى عبادته ووحدانيته

ويعمّق لدينا هذا الاعتقادَ نداؤُه تعالى عبادَه بـ “يا أيها الناس” فهو يدعو الناس كل الناس، إلى عبادته ووحدانيته،

ويدعوهم إلى التحرر من ربقة المعصية، ولعل هذا ما نفرّق به بين النداء بـ “يا أيها الذين آمنوا ” فهو نداء يخص المؤمنين دون غيرهم،

أما عندما يتعلق الأمر بنجاة الناس ودعوة الجميع، فلا يقتصر الخطاب على المؤمنين بل هي دعوة مفتوحة للجميع،

الكل من حقه أن يشارك هذه الدعوة.

ثم يأتي الخطاب بالدعوة إلى الإيمان مضفورة بأسبابها،

فهو سبحانه لا يدعو الناس إلى عبادته دون أن يكون أهلا لهذه الدعوة ومستحقا لها أو يملك أسبابها، فهو سبحانه الخالق، \

وهذا السبب منفردا يكفي لاستحقاقه تعالى للعبودية، فهو الخالق فكيف يُعبَد غيره،

وهذا هو المنطق الذي رفضته الجمادات من السماوات والأراضين والجبال وغيرها، عندما تثور على العبد العاصي،

وتعلن له الكراهية، فتستأذن الله أن تهلك العصاة الذين هم من خلق الله ولكنهم يعبدون غير الله،

والتعبير بالربوبية وسط هذه النعم يوحي بدفء المراعاة،

وأنه سبحانه ما خلق وما رزق وما شرع إلا من أجلك أنت أيها المخلوق بيد الله.

إغلاق الباب أمام من يجادل مجادلة عقيمة

فحين يقول الله سبحانه وتعالى: “الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ”، ثم يؤكد عليها ليغلق الباب أمام من يجادل مجادلة عقيمة ويركن إلى الأسباب وينسى المسبب الأول لكل شيء.

نعم.. أباؤنا وأجدادنا هم سبب في وجودنا، لكنهم أيضا من خلق الله، فهو تعالى خلقنا وخلق الذين من قبلنا،

وهنا يفصح القرآن الكريم عن علة الدعوة إلى الله، إنها التقوى: ذروة سنام الأمر كله، مراد الله من وراء التكليف، علة الخطاب والدعوة، “لعلكم تتقون…”.

الله المستحق للعبادة دون غيره

ثم يستمر في عرض الأدلة التي تقرر أحقية الله تعالى في أن نعبده ونخلص له العبادة دون غيره سبحانه،

فهو الذي جعل الأرض على هيئة الفراش، فليست في صلابة الحديد، ولا رخاوة المياة،

بل هي مهيأة لاستقبال البشر عليها والإفادة منها قدر طاقتهم،

وجعل تعالى السماء بناء متماسكا فلا ينفذ منه ولا فيه إلا ما شاء الله تعالى،

ثم أخبر تعالى أنه هيّأ أسباب المعيشة لأهل الأرض، فأنزل لهم من السماء ماء، فأخرج به نبات كل شيء وجعل منه الحياة في كل شيء.

ولعل القارئ الكريم يلمح أن السماء هي رمز العطاء الإلهي في القرآن والسنة، سواء كان عطاء ماديا كالمطر مثلا، أو عطاء معنويا كالمنهج الذي ارتضاه لعباده من الوحي بالكتاب والسنة.

تشعر من خلال هذه الآية الحانية بدفء هذا الخطاب الربوبي الراقي، وكأنه يتودد إلى عباده، ولو شاء لأخذهم بغتة،

وهو الغني عن عبادتهم، إنها أخلاقيات الإله الذي لا يأخذ بغتة، ولا يسعى للتعذيب ابتداء، إله يخلق ويرزق ويسبّب الأسباب

ثم يدعو الناس لخلاصهم في الدنيا والآخرة، فمنهم من يستجيب ومنهم من يعرض، وهو في كل حالاته يصبر عليهم.

ليس لله ند ولا شريك

فإذا كان الأمر كذلك وعلمتم موجبات استحقاق الله للعبودية دون غيره، فلا تجعلوا لله أندادا وشركاء، فليس لله ندّ، وليس لله شريك، وأنتم أول من يعلم أن وجود إلهين أمر لا يستقيم، ولا تصلح معه الحياة.

والندّ قد يصنعه العبد بنفسه من ولد أو زوجة أو جاه أو عمل أو مال، فكل هذه أنداد وإن اختلفت صورها قد يتخذها العبد معبودا من دون الله فتذهب به إلى الهلاك، نسأل الله العفو والعافية.

أ. د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
فى التفسير وعلوم القرآن الكريم
يجامعة الأزهر الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى