سليدرمع الآياتنشر حديثاً

وقولوا للناس حسنا.. “مع الآيات ـ حلقة 53 ”

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

أ.د. عبد الشافى الشيخ
أستاذ الدراسات العليا
بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 53 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآية 83 من سورة البقرة، يقول الله تعالى: “وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ”

هذه الآية الكريمة من الآيات الجامعة، فيها كلُّ شيء، فيها القسْم المشترك بين جميع

الرسالات السماوية، وكأنّ الآيةَ الكريمة توجّه رسالةً قوية إلى أصحاب العقول، فحواها:

أنه يمكن للبشر أن يتّحدوا وأن يتعاونوا مع بعضهم البعض، مهما اختلفت ثقافاتهم وعقائدهم،

لأن بين جميع الرسالات قسْم مشترك، لا يأمر إلا بكلِّ خير، ولا ينهى إلا عن كلّ شر، لأن المصدرَ واحدٌ،

ففي كل الرسالات يبلغون كلامَ الله تعالى إلى خلقه، وحاشا لله أن تتناقض كلماته.

عادةً ما يأخذ الله تعالى المواثيق والمعاهدات بينه وبين خلقه وعباده، حتى لا يأخذَهم بغتة، فلا تجريم إلا بنص،

فالله تعالى لا يأخذ الناسَ على حين غفلة، بل يرسل رسلَه مبشرين ومنذرين يبلّغوا رسالةَ ربهم، ويوضحوا للناس ما لهم

عند الله وما لله عليهم، فيكون ذلك بمثابة الميثاق بين الله وبين خلقه وعباده، على أساسه يكون الحساب يوم القيامة.

بر الوالدين ومراعاة الأدب في التعامل معهما

أخذ من بني إسرائيل الميثاق ألَّا يعبدوا إلا الله، وأردفَ قضيةَ العبودية لله بقضية هي الأهم  والأدقّ، إنها قضيةُ بر الوالدين

ومراعاة الأدب في التعامل معهما، فالله تعالى هنا يعلّمنا احترامَ السببية، فإن كان الله تعالى هو المُوجد الحقيقي للإنسان،

إلا أن الوالدين هما السبب المباشر لقدرة الله تعالى في إيجاد الإنسان، ولذلك وثّق هذا الرباط بين الولد ووالده

احتراما لقانون السببية.

وليس الآباء والأمهات فقط هم المعنيين منا بحسن الأدب ولطف المعاملة، ولكن جمع الله معهم أيضا أولي القربى واليتامى والمساكين، وهم ضعفاء المجتمع، وصدق النبي إذ قال: “إنما ترزقون بضعفائكم”، يا سادة: المجتمع بخير ما أكرم الضعيفَ، واحتواه، وجعل له حقوقا على المجتمع، فالضعفاء هم عيالُ الله، اختبر الله بهم الأقوياء وامتحنهم، فإن أحبّوهم وأشفقوا عليهم نجحوا في الاختبار مع الله، ورأيتَ المجتمعَ كلّه يرغد في نعم الله لأنه تعالى كريم يكرم – بسخاء – من يكرم عيالَه وهم الضعفاء.

وإذا لفظَهم المجتمع وتلاءمَ الأقوياءُ في التعامل مع الضعفاء، فأضاعوا حقوقهم، وحطوا من شأنهم فهو والله نذير شرٍّ للمجتمع بأسره، فهو قانونُ الله الذي لا يحابي به أحدا “ولن تجد لسنة الله تبديلا”

والأبدع في هذه الآية هو الأمر للناس أن يقولا للناس حسنا، وهي والله قمة الأخلاق، تبدأ بالكلمة الطيبة، واللين في المعاملة، إن الكلمة الطيبة يفتح الله بها المغاليق، ويقضي الله بها الحاجات، ويثقّل الله بها الموازين يوم القيامة، وينقلب بها العدوُّ إلى وليٍّ حميم، إنها الكلمة الطيبة يا سادة: صغيرةُ الجِرْم إلا أنها كبيرة الجُرم عند الله وعند العبد.

أمسكوا عليكم ألسنتكم، أشيعوا الكلمات الطيبة في المجتمع، سَعُوا الناسَ بالكلام الطيب إن ضقتم بهم ذرعا في الصدقات وصنائع المعروف، ضعوا أمام أعينِكم حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم: “ثكلتك أمك يا معاذ: وهل يكبُّ الناسُ على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائدِ ألسنتهم؟” رزقنا الله وإياكم الكلمَ الطيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى