سليدرمع الآياتنشر حديثاً

ويل لهم .. “مع الآيات ـ حلقة 51 ”

حلقات يكتبها: أ.د. عبد الشافى الشيخ

أ. د. عبد الشافى الشيخ أستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر الشريف

فى الحلقة 51 من سلسلة حلقات “مع الآيات” نتناول الآيتين 78 و79 من سورة البقرة، يقول الله تعالى:

“وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ”.

ما زال القرآن الكريم يكشف لنا قبائح المنحرفين عن منهج الله، فضيحة تلو الأخرى، ومع أنه يتحدث عن أعدائه لكنه

يلتزم الحيادية والمصداقية، فلا يحكم جزافا، ولا يكيل الاتهامات بلا انضباط، فنراه يتكلم عن بعضهم وليس عن جميعهم،

حتى لا يعترض عليه معترض بأنه لم يفعل هذه القبيحة، فياليتنا نتربى بتربية القرآن الكريم، عندما نتكلم أو نحكم

ينبغي علينا أن نتحري الدقة والمصداقية، حتى مع الأعداء، وصدق الله إذ يربينا على هذا الخلق بقوله تعالى

في سورة المائدة: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)”.

في هاتين الآيتين الكريمتين يقسّم القرآن الكريم هؤلاء المنحرفين إلى قسمين وفريقين.

الفريق الأول: فريق أمي جاهل لا يعلم شيئا، ولا يدري ما في كتابهم الذي نزل عليهم، ولا يعرف منه إلا أوهاماً وظنوناً،

وإلا أماني في النجاة من العذاب، تلك الكذبة التي روجوا لها لفلتوا من التكاليف، معتقدين أن لهم كرامة عند الله أو قداسة

تحول بينهم وبين العذاب في الآخرة.

أو الأماني هنا بمعنى التلاوة وهو معنى من معاني الأماني أي التلاوة، فعلاقتهم بالكتاب الذي أنزله الله عليهم هي مجرد

القراءة والتلاوة ولا يدرون ما الأمر، أي قراءة دون تدبر أو تأمل فيما يطلب منهم، ولذلك حث القرآن أهله وأمته أن يتدبروا القرآن

بقوله:” أفلا يتدبرون القرآن ” حتى لا يتكرر هذا النموذج فيستحقون ما استحقوا من العذاب والسخط من الله. وقيل التمني هنا

بمعنى الكذب.

أما الفريق الثاني:

هو الفريق الذي يستغل هذا الجهل وهذه الأمية -التي عليها الفريق الأول- فيزوّر على كتاب الله، ويحرف الكلم عن مواضعه

بالتأويلات المغرضة، ويكتم منه ما يشاء، ويبدي منه ما يشاء ويكتب كلاماً من عند نفسه يذيعه في الناس باسم أنه من كتاب

الله. كل هذا ليربح ويكسب، ويحتفظ بالرياسة والقيادة.

وهنا يتوعدهم الله تعالى وأمثالَهم بهذا التهديد المريع، بالهلاك والفضيحة والخزي لأولئك الذين يكتبون الكتابات المحرفة

والتأويلات الفاسدة بأيديهم، بدلا مما اشتملت عليه الكتب من حقائق، ثم يقولون لجهالهم ومقلديهم كذبا وبهتانا:

هذا من عند الله، ليأخذوا في نظير ذلك عرضا يسيرا من حطام الدنيا، فعقوبة عظيمة لهم بسبب ما قاموا به من تحريف

وتبديل لكلام الله، وخزي كبير لهم من أجل ما اكتسبوه من أموال بغير حق.

فالآية الكريمة فيها تهديد شديد لأولئك الذين تجرأوا على كتاب الله بالتحريف والتبديل، وباعوا بدينهم دنياهم، وزعموا

أن ما كتبوه هو من عند الله. وحصلوا من وراء كذبهم متاعا قليلا من حطام الدنيا، فبئس ما باعوا به أنفسهم من عرض زائل،

وويل لهم مما كسبت أيديهم من الافتراء على الله، وويل لهم مما يكتبون بأيديهم ليضلوا الناس بغير علم. عصم الله علينا ديننا وكتابنا وأمتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى